هل تعرف احد اكثر اخطاء البودكاست انتشاراً وما اسبابها؟
ما زلت اتذكر ذلك اليوم الذي كنت اراجع فيها رغبات المتقدمين لاحد البرامج التدريبية التى كنت اعمل بها كمدرب للبودكاست ومهارات تقديم المحتوى الصوتي حين توقفت عند استمارة قامت صاحبتها بالاجابة بشكل غريب عن سؤال جاء في الاستمارة عن “ما المجال الذي ترغب بالتدرب عليه؟” وكانت هناك اجابات موضوعة مسبقاً وهى التقديم او الهندسة الصوتية.
صاحبة الاستمارة لم تختار اى من هذه الخيارات وقامت بكتابة خيار جديد وهو “مقدمة نشرة اخبار”
انتهى اليوم وقتها وكانت صاحبة الاستمارة ضمن المقبولين للانضمام للتدريب وبعد ايام بدأت مجموعات التدريب بالانطلاق ومرت مجموعة تلو الاخرى حتى وجدت الاستمارة الخاصة بها موضوعة امامى ضمن متدربي مجموعات اليوم فتذكرت ان هناك امراً يحتاج للفحص اليوم في هذه المجموعة.
كالعادة احب ان اتعرف على المتدربين بشكل اكبر قبل انطلاق المحاضرات وعندما تكلمت صاحبة الاستمارة قالت بشكل واضح ومختصر انها لا تريد الا ان تكون “مقدمة نشرة اخبار” فقط لا غير وهذا سبب كتابتها لهذا الامر بشكل منفصل داخل الاستمارة.
بدأ التدريب وبعد حوالي نصف المحاضرة وانتهاء الشق الخاص بي طلبت من كل متدرب ان يقوم بإلقاء سكربت تدريبي مُعد مسبقاً والهدف من هذا الامر تحليل اداء جميع المتدربين وهو امر مهم بالنسبة لي كمدرب بل وان الاسكربت الذي سيقوموا بتقديمه هو سكربت مُعد خصيصاً لقياس اهم المعايير للمتدربين والتى تهمني كمدرب لاعرف ما هى نقاط القوة والضعف وشخصية كل متدرب.
فوجئت بان المتدربة “صاحبة استمارة نشرة الاخبار” تقوم بإلقاء الاسكربت باداء نشرة الاخبار القديم، هذه المدرسة القديمة في القاء النشرة التى كانت تفرض عليك طبقة القرار في الاداء والنطق باللغة العربية الفصحى بدون خطأ واحد علماً بان الاسكربت الذي كان في يد المتدربة هو سكربت اجتماعي !
لم اقم بالاعتراض ولكن في منتصف الاداء بدأ صوتها يضعف وبدأ نَفَسها يقل وبدأت الحروف تُنطق بشكل خاطئ وبدأت تخطئ بشكل عام في الاداء وهذا ما كنت متأكد انه سيحدث
لم تكن هذه المتدربة هى الحالة الوحيدة، هناك حالات اخرى مطابقة، هناك من تدربت على الاداء الإخباري النمطي القديم فتقف بشكل معين وتمسك الاسكربت بشكل معين وتتنفس بشكل معين فاصبحت حبيسة هذا النمط بسبب التدريب بشكل خاطئ.
لكن لحظة واحدة، لماذا يحدث هذا وما اسبابه؟
متلازمة الـ Minions، مقدم البودكاست التابع
مجال البودكاست سهّل على الجميع صناعة المحتوى مثله مثل المنصات الكثيرة لصناعة المحتوى باشكالها المرئية ولكن ما يجعل البودكاست مختلفاً حقاً انه يحتوى على جزء النوستالجيا، فهو يذكرنا جميعاً بالراديو وذكرياته معنا ونحن صغار ولكن مع الآسف هذا الامر جعل الكثير والكثير من الاشخاص الذين لا يحبون حقاً هذا المجال ولا يملكون الموهبة او العلم الكاف ان يعملوا به من اجل استرجاع لحظات النوستالجيا الخاصة بالراديو.
“الجميع يريد ان يصبح مذيعاً” هذه احدى الجُمل التى اقولها دائماً لاننى كما افرح كثيراً بان هناك العديد من الناس يرغبون جدياً بصناعة محتوى صوتي، احزن كثيراً عندما اكتشف بالنهاية انه شعور وهمي لديهم بسبب حالة الحنين الي الماضي التي ذكّرهم بها البودكاست.
“الحنين الي الماضي” يولد لديهم شعور بالرغبة في الاستكشاف ويولد دافعاً لديهم تحت عنوان “ولمَ لا؟ قد اصبح مذيعاً جباراً مثل هذا المعروف الذي كنت اسمعه في طفولتي” وهنا تبدأ المشاكل كللها
يقوم الشخص الذي يعاني من حالة “الحنين الي الماضي” بالاستماع مراراً وتكراراً لمذيع بعينه وغالباً يكون هذا المذيع المشهور الذي كان يحب ان يسمعه منذ الصغر، ببساطة هذه هى الطريقة التى قرر ان يتعلم بها كيف يكون مقدم بودكاست ومع الآسف هو يدمر نفسه بهذه الطريقة
بدون ان يشعر هو لا يتعلم هو يُقلد هذا الشخص. يُقلد اسلوبه واداؤه وطريقته في الكلام. بل يُقلد نبرة صوته ليصبح هذا النموذج الذي احبه دائماً
وبعد فترة من التقليد (والتى اسماها هو تدريب) يبدأ بالبحث عن فرص عمل في مجال البودكاست لانه يرى نفسه “محترفاً بما يكفي” بان يكون مذيع ومقدم بودكاست ناجح
وهنا تحدث المشكلة فهو لا يملك شخصية مستقلة بل هو “تابع” لهذا الشخص بدون ان يشعر بل وإن واجهته بهذه الحقيقة يُنكر وبشدة ويرى ان من الطبيعي ان تتدرب عن طريق الاستماع المستمر لبرامج اخرى ومقدمين محترفين وهو امر صحيح وخاطئ في نفس الوقت
لا تسمع برامج اخرى ومذيعين اخرين بحجة “الرغبة في التعلم”
هل تريد ان تعرف كيف تتدرب على تقديم البودكاست ومهارات تقديم المحتوى الصوتي؟
ببساطة الخطوات مهمة وترتيبها مهم ولا يجوز ان تتخطى خطوة او تبدلها بغيرها:
- ابحث عن مُدرب او مصدر ثقة للمعلومات
- قم بالتدرب على المبادئ والاساسيات
- قم بتحضير محتوى ملائم وتدرب عليه بصوتك
- قم بعرض هذا الاداء على المُدرب الخاص بك او على احد الاشخاص الموثوق في خبرتهم
- اعرف نقاط قوتك واهتم بها ونقاط ضعفك وعالجها
- بعد ذلك قم بتحضير محتوى ملائم مختلف وتدرب عليه بصوتك
- قم بعرضه مرة اخرى كما في الخطوة 4
- كرر هذه العملية من 4 ل 5 مرات على الاقل
- ابدأ بالاستماع لتجارب المحترفين الاخرى وبرامجهم لتعرف نقاط قوتهم وضعفهم
مع الآسف هناك الكثير من النصائح الخاطئة التى تُقال للمبتدئين تتجاهل كل تلك الخطوات بترتيبها وتنصحهم فقط بالنصيحة الاخيرة “استمع كثيراً وتعلم منهم”
المتدرب المبتدئ كالطفل الصغير سيقلد والده ووالدته في كل شئ لذا يجب ان لا تستمع لمذيعين آخرين في بداياتك كمقدم بودكاست وتحديداً حتى تبدأ علامات “شخصيتك المستقلة كمقدم بودكاست” في الظهور والتطور لتضمن ان لا تتاثر بشكل مبالغ فيه من المحترفين
غرف Clubhouse للتقليد الصوتي
في احدى الايام اثناء ذورة انتشار تطبيق Clubhouse اتذكر احدى الغرف المضحكة حقاً وكانت تحت عنوان لا اتذكره ولكنه يتعلق بالاذاعة والتعليق الصوتي. طُلب منى ان اتحدث عن الامر ولكنى فضلت ان استمع لتجارب الاداء لانه يكفي ما يُقال للموهوبين في غرف Clubhouse فما يُقال لهم يكفي لتدميرهم مع الآسف يمكنك ان تراجع مقالتي عن غُرف جلد الموهوبين في Clubhouse
لاحظت شئ مضحك، احد المسئولين عن الغرفة وهو شخص لا اعرفه يتحدث مثل احد المذيعين العرب المعروفين في مجال تقديم البرامج الاجتماعية – العاطفية ويدّعي انه مذيع محترف بل ويقدم نصائح للموهوبين لانه حسب ما يقول عن نفسه “شخص خبير”
لم اوجه الكلام له لان هذه حالة ميؤوس منها ولكن طلب منى احدهم التعليق على الاداء الخاص به فقلت له انه يجب ان لا يكون نمطياً ولا يدخل مجال البودكاست او الاذاعة راغباً في تعلم شكل واحد من الموضوعات او البرامج وانه يجب ان يتعلم كيف يؤدي كل انواع البرامج ثم يتخصص في النوع الملائم له ثم اعتذرت عن استكمال الغرفة مؤقتاً بسبب موعد الصلاة.
فوجئت عند العودة بان هذا الشخص الذي ذكرته سابقاً ويقوم بتقليد هذا المذيع الشهير يتكلم بكل غضب تعليقاً على كلامي وينفيه ويقول انه غير صحيح بل ووجدت نفسي اصبحت ضمن الجمهور وليس المتحدثين حتى لا تكون لي فرصة في الرد، الامر كان مضحكاً فكان ينتقدني بغضب ولكن في نبرة صوت عاطفية مُقلدة مضحكة للغاية
الشئ الوحيد الذي احزنني فقط ان ذلك الشخص المبتدئ يمكن ان يكون مشوش بالمعلومات الخاطئة التى سمعها من شخص ادعى العلم والمعرفة وهو نفسه لا يعلم شيئاً ويحتاج لمن يعلمه ومع الآسف هناك الكثير من هذه النماذج في هذا المجال وفي مجالات اخرى لذا حاول ان تبحث عن الخبرة الحقيقية وليست المزيفة او المُقلدة
النهاية
عزيزي صانع المحتوى، الاستماع لبرامج البودكاست الاخرى من اجل التعلم امر مهم ومفيد ولكن يجب ان تكون قد اكتشفت شخصيتك المستقلة في صناعة المحتوى اولاً وان تكون قد تعلمت المبادئ الهامة لتنتقي من هذه التجارب ما يناسبك وتبتعد عن ما لا يناسبك. لا يوجد احد يريد ان يسمع نسخة مكررة من مذيع آخر او برنامج آخر لذا اصنع شخصيتك التى ستصنع نجاحك
اكتب رأيك