هل سمعت عن “متلازمة Inside Out في البودكاست”؟
كانت احدى اكثر الاشياء التى مثلت لي تحدياً كبيراً في مسيرتى العملية هى عملية تدريب الموهوبين. الفكرة من الاساس كانت عبارة عن اعطاء الفرصة للموهوبين بان يكونوا متواجدين بقوة في سوق صناعة البودكاست العربي ولكن قبل ان يكون بهذه الشهرة.
الامر كأنك تقف على الشاطئ وترى موج كبير قادم من مسافة بعيدة هناك من سيقف في مكانه وهناك من سيتهيأ ليستغل هذه الامواج للاستمتاع بها.
في مسيرتى قمت بتدريب اكثر من 1000 موهبة على مهارات البودكاست والهندسة الصوتية وصناعة المحتوى للبودكاست وفي هذه الرحلة كانت هناك اشياء شائعة يمكن ان نصفها بـ “مشاكل البدايات الشائعة” والتى يكون حلها سهلاً حسب الحالة وفي نفس الوقت تمثل عقبة كبيرة امام المتدرب.
لتسهيل الشرح قمت بتشبيه هذه الاخطاء بشخصيات فيلم Inside Out (قلباً وقالباً) وهو احد افلامي المفضلة والذي انصحكم بشدة بمشاهدته للكبار قبل الصغار.
قمت بتسمية هذه المجموعة من “مشاكل البدايات الشائعة” باسم “متلازمة Inside Out” فهى اخطاء قد تلازم المحترفين من مقدمى البودكاست ان لم يتم حلها في مرحلة التدريب والبدايات هيا بنا لاستعرض معكم هذه المشاكل.
المتفائل لدرجة الاستفزاز
هل ما زلنا نذكر الهدف من البودكاست او تقديم المحتوى؟ نعم ان نكون في اقرب مسافة ممكنة من المستمع والجمهور المستهدف للبرنامج، هذا الامر لا يتحقق بالمحتوى المناسب فقط بل ايضاً بالاداء المناسب للمحتوى وللمستمعين معاً
احدى الصفات التى لا يجب المبالغة فيها من مقدم البودكاست هى “الفرحة المبالغ بها” لان هذا الامر احياناً سيكون “مستفزاً” لجمهورك فكيف تتحدث عن موضوع يستلزم بعض الجدية مع طبقة صوت شديدة الفرحة والتفاؤل بدون مبرر؟
ضع في الحسبان ان طبقة الصوت المرحة او الفرحة مطلوبة في بعض اجزاء الحلقة ولكن بدرجة معينة غير مبالغ بها ولا يجب ان تستمر معك طوال الحلقة بشكل اكبر من اللازم حتى لا يشعر المستمع بانك منفصل عن الواقع وعن افكاره وعن احساسه وما يشعر به المستمع
الحل؟
ببساطة كن متوازناً الطبقات المرحة لها مكانها في الاسكربت وفي معظم الاحيان يكون ذلك في بداية الحلقة ونهايتها (وليس دائماً) قد يتغير الامر حسب موضوع الحلقة وقد يكون مطلوب تكرار الطبقة المرحة او المتفائلة مرات اكثر حسب موضوع الحلقة. ببساطة لا يجوز ان يكون موضوع الحلقة جاد وطبقة صوتك مرحة بشكل مبالغ فيه
الغاضب سهل الانفعال
تحدثنا مسبقاً في مقالة كيف تكون مقدم بودكاست ناجح على طريقة منتخب المغرب في كاس العالم قطر 2022؟ عن بعض المواقف التى من المتوقع ان تواجهك في حالة وجود ضيوف لهم خبرة في اللقاءات الاعلامية مسبقاً يمكنك الرجوع للمقالة لمعرفة المزيد عنها.
هذه المواقف قد تؤدى لانفعالك لانك تشعر بان الحلقة تؤخذ منك لاماكن لم ترغب بها بل ويصل الامر ان تتحول انت من المذيع الذي يوجه الاسئلة للضيف الذي يتلقى الاسئلة
مثال اخر رايته في احدى الحلقات التى كنت اشرف على محتواها، ببساطة الضيف كان مغرور وكان يريد توجيه محتوى الحلقة بشكل يرضيه ولا يرضينا ولا يوافق اتجاهاتنا تماماً في هذه اللحظة انا لم اتدخل وكنت اراقب الامر فقط لاننى اريد ان ارى تصرف فريق عمل البرنامج فجميعهم من طلابي ومتدربين سابقين لي والآن اصبحواً مؤهلين، بالفعل قامت مذيعة الحلقة بالسيطرة على الامر بهدوء وسلاسة ودون اى انفعال بل بالعكس تحول سلوك الضيف المغرور لسلوك متواضع سهّل على مقدمة البرنامج السيطرة على الحلقة وتقديمها بشكل جيد لجمهور البرنامج.
في حالات اخرى قد ينفعل المذيع ويظهر ذلك جلياً في صوته هذا الامر لن يعجب الجمهور ولن يعجب الضيوف وسيظهرك بمظهر ضعيف.
الحل؟
ببساطة استمر في ادارة حلقتك كما خطط لها ولا تجعل اى عنصر خارجي ينجح في اثارتك وتغيير طبقة صوتك تذكر هذه الجملة قبل الانفعال “انا من يسيطر على هذه الحلقة وانا المسئول عنها ويجب ان احترم جمهوري بالتحدث بشكل مناسب”
الحزين لدرجة الملل
احدى اكثر طبقات الصوت الشائعة عند الهواة في بداية تدريبهم هى طبقة الصوت “الرتيبة” والغير متغيرة
في عالم البودكاست والمحتوى الصوتي لا يراك الجمهور وهذا الامر يجعل مهمتك صعبة في ايصال فكرتك بصوتك فقط.
نعم اعلم ان البودكاست يمكن تصويره وللعلم هى احدى التحديات التى ستواجهك كمذيع تصوير حلقتك في مقاطع مصورة ففي اللحظة التى سيتحول تركيزك من المايكروفون للكاميرا تحولت من مقدم بودكاست لمذيع تليفزيوني وتحولت حلقتك من حلقة بودكاست لمقطع فيديو عادي (سنتحدث عن هذا الامر في مقالة اخرى لاحقاً)
نظراً لطبيعة المحتوى الصوتي يستلزم الامر من مقدم البودكاست ان ينوّع في طبقات صوته، يجب ان تكون مرحاً عندما يستلزم الامر وان تكون جاداً عندما يستلزم الامر وان تكون هادئاً عندما يستلزم الامر والمقصود هنا بجملة “ان يستلزم الامر” هو ان يكون المحتوى يتطلب منك هذا
ان كُنت اشرح لك امراً جديداً في هذه الحلقة يجب ان اكون هادئاً في شرح المعلومة حتى تصل للمستمعين بالكامل وفي هذه الحالة لا يجوز استخدام طبقة صوت سريعة بسببها يفقد المستمع الكثير من جوانب المعلومة ولا تصل له بشكل كامل
الخوف يؤدي للاداء البطئ والممل، والخوف منتشر عند المبتدئين لانهم يهابون الاستوديو او المايكروفون لذا ينتج عنه طبقة الصوت الحزينة لدرجة الملل
الحل؟
- قم بتجارب اداء عديدة قبل تسجيل الحلقة النهائي، قم بالاشارة لطبقات الصوت المناسبة لكل فقرة من فقرات حلقة البودكاست الخاصة بك داخل الاسكربت واختر طبقة صوت ملائمة لكل فقرة
- قم بتدريب نَفَسك فتدريبات التنفس الصحيحة لمقدم البودكاست ستساعدك على ادارة طبقات صوتك بشكل ملائم وستبعدك تماماً عن طبقة الصوت الرتيبة والحزينة والمملة في بعض الاحيان بشكل كبير
المتكبر الذي يتحدث وحده
بعض الاحيان قد تؤدي الثقة بالنفس المبالغ بها بان يشعر المستمع او الجمهور بان مقدم البرنامج يتحدث بتعالِ وبنبرة فوقية ومتكبرة (حتى وان كنت غير ذلك وتتحدث بثقة فقط)
وفي بعض الاحيان يكون هذا الامر مقصود، بعض المقدمين على الطراز القديم يروا ان هذه الطريقة تعجب الجمهور وبكل تأكيد هذه فكرة خاطئة
الناس يحبون القريب منهم ولن يكونوا من ضمن جمهورك ان شعروا بالغرور والتكبر وهذا الامر ينطبق ايضاً إن كان يشاركك في تقديم حلقاتك مذيع آخر. التنمر على هذا المذيع او التقليل من شأنه سيؤدى لنتيجة عكسية وسيتعاطف الجمهور مع المذيع الاخر وسيكرهوك انت. من الاساس هذه الاستراتيجية خاطئة ولن تؤدي لنجاحك منفرداً او بشكل اكبر من شريكك ولن تؤدي الا لفشل البرنامج ككل
الحل؟
كُن متواضعاً، وابتعد عن التكبر والتحدث بغرور. ايضاً لا تقلل من شأن الضيف او شريكك في تقديم البرنامج ولا تقاطعه باستمرار لتتحدث انت وحدك لان كل هذا سيؤدي بك في النهاية للفشل التام
الخائف لدرجة التلعثم
كما اشرت مسبقاً، الخوف هو احدى المشاكل الاساسية والشائعة والعادية لدى المبتدئين. لقد رأيت من يخافوا من الاستوديو ومن يخافوا من المايكروفون ومن يخافوا من التجربة باكملها، هذا الامر يؤدي للعديد من الظواهر في الصوت منها الصوت الخائف المرتعد
مقدم البودكاست الخائف سيواجه مشاكل منها:
- التلعثم في اداء الاسكربت
- التحدث بصوت غير واضح
- التحدث بطبقة صوت رتيبة ومملة
- عدم القدرة على التفكير بشكل صحيح
- عدم القدرة على ادارة الحلقة بشكل صحيح
الحل؟
مشابه لحل مشكلة الصوت الحزين، يجب ان تقوم بالعديد من تجارب الاداء لاسكربت الحلقة قبل التسجيل النهائي وايضاً تختفي هذه المشكلة تلقائياً اذا ظهرت اثناء فترة التدريب بعد ان تكتسب ثقة بنفسك
ما هو سبب متلازمة Inside Out في البودكاست؟
احدى المشاكل التى احذر منها هى ان تعتمد في تحسين مهاراتك في تقديم محتوى البودكاست على الاستماع لمقدمين آخرين في مراحل تدريبك المبكرة. هذا الامر سينتج عنه تقليدك لهم بدون ان تشعر وهنا الامر متروك للحظ فقد تتأثر بمذيع هو بالفعل لديه احدى شخصيات متلازمة Inside Out فتكون نسخة منه مع الآسف بعيوب اكثر من المميزات اثناء تقديم البودكاست
ما اريده منك ان تكوّن شخصيتك اولاً ثم تتعلم ثانياً ثم تستمع لمقدمين بودكاست آخرين ثالثاً علماً بان ترتيب الخطوات هنا مهم
ما الذي ينتظره منك الجمهور والمستمعين في البودكاست؟
ببساطة ان تكون قريباً منهم وتشعر بهم. قد يظهر الامر لك بانه بسيط وسهل تحقيقه ولكن الامر يستلزم الكثير من الادوات والمهارات لتصل لهذا الهدف ولكن إن وصلت فقد نجحت
النهاية
عزيزي صانع المحتوى ومقدم البودكاست الرائع هذه المهنة رائعة ولكنها صعبة. مذيع التليفزيون يمكن ان يراه الناس ويعرفوا شعوره واحساسه واتجاهاته من خلال وجهه، انت لا تملك الا صوتك لتعبر عن كل شئ لذا في بعض الاحيان يُساء فهمك من صوتك ولكن قمت باتباع الخطوات اعلاه لتخرج من هذه المشاكل ان شاء الله
اكتب رأيك